ثقافة الأمان النووي
يعتمد الأمان النووي والإشعاعي على قدرة المرافق النووية أو الإشعاعية، والجهات المعنية الأخرى، على توقع المخاطر الكامنة في هذه الممارسات النووية والإشعاعية، والقدرة على مراقبتها ومدى الاستعداد في الأنشطة اليومية لمواجهتها، ومستوى الاستجابة لها، والتعلم منها. وتُعد هذه القدرات والاستعدادات جوهر ثقافة الأمان النووي الجيدة.
تُعرف ثقافة الأمان النووي والإشعاعي بأنها مجموعة الخصائص والمواقف في المرافق النووية والإشعاعية والأفراد التي تثبت أن قضايا أمان الممارسات النووية والإشعاعية أولوية عليا تحظى بالاهتمام الذي تستحقه. وهي مفهوم يمكن استخدامه لتحليل وشرح المنطق الأساسي للسلوك التنظيمي في المرفق النووي أو الإشعاعي وكذلك النظام البيئي حوله، وعلى وجه الخصوص كيفية عمل المرفق فيما يتعلق بالأمان النووي.
تتضمن ثقافة الأمان النووي مكونين عامين، الأول هو مسؤولية التسلسل الهرمي للإدارة في المرفق وهو الإطار الضروري داخل المرفق النووي أو الإشعاعي، والثاني هو موقف الموظفين على جميع المستويات في الاستجابة للإطار والاستفادة منه. ووفقا لثقافة الأمان النووي والإشعاعي فإنه لا يمكن اختزال الأمان إلى الموثوقية التقنية فقط، بل بالأحرى، أنه خاصية لكافة مكونات النظام البيئي التقني والإداري بأكمله.
من أهم مؤشرات ثقافة الأمان وجود مستوى مستمر من التساؤل والتشكيك في الطريقة السائدة لإدارة الأنشطة والممارسات النووية والإشعاعية ومستويات الأمان بها، والبعد عن ظاهرة التوجه الذاتي للتعامي أو التجاهل عن نقاط ضعف ثقافة الأمان النووي. وفي المرافق التي يكون فيها الأمان والسلامة لها أهمية، والتي قد تتعرض لمفاصل حرجة في عملها، مما يجعلها قد تستيقظ في كثير من الأحيان على حادث خطير بسبب إدراكها جوانب تجاهلتها أو التي كان مهما اعتبارها.
وتؤكد ثقافة الأمان على قياس تكامل أدوار مختلف الجهات الفاعلة في الأمان النووي والإشعاعي، فهي ليست فقط مسؤولية مطلقة على المرافق النووية أو الإشعاعية المعنية وفق النظام بالأمان النووي والإشعاعي بها؛ بل تشمل شركات التصميم والتنفيذ والتداول ومقدمي الخدمات الاستشارية والمقاولين، وهيئة الرقابة النووية والإشعاعية نفسها والأنظمة النووية الوطنية وجودتها وتكاملها. وفهم تأثير كل تلك الجهات مجتمعة على الأمان النووي والإشعاعي وتحقيق مستوى أفضل له. ومن المهم ألا يكون هناك فهم خاطئ لتعزيز ثقافة الأمان النووي والإشعاعي في إدارة الأمان النووي والإشعاعي ما قد يؤدي إلى "ثقافة التحكم"، فالأهم البحث عن إدارة مرنة لا متحكمة.
وتؤثر هيئة الرقابة النووية والإشعاعية بشكل كبير على ثقافة الأمان النووي لدى المرخص له وعلى إحساسه بالمسؤولية عن الأمان. ومن ثم، يتعين على الهيئة أن تكون مدركة لتأثير ثقافة الأمان الخاصة بها على ثقافة الأمان للمرخص لهم الذين تشرف عليهم حتى تعزز مستوى ثقافة الأمان لديهم وبالتالي مستوى الأمان النووي والإشعاعي. ولهذا فإنه من الأهمية بمكان ألا تنظر الهيئة في ثقافة الأمان على أنها مسألة إشراف ورقابة فحسب، بل باعتبارها مسألة انعكاس ذاتي أيضًا. ويجب أن تدرس بنشاط كيفية تأثير ثقافة السلامة الخاصة بها على ثقافة السلامة لدى المرخص لهم. كما ينبغي أن تعكس دورها داخل بيئة النظام التنظيمي الأوسع وكيف أن ثقافة الأمان بها هي نتيجة تفاعلها مع المرخص لهم وجميع أصحاب المصلحة الآخرين.
وتعد الثقافة الوطنية العامة أحد العناصر التي يجب أخذها في الاعتبار عند تعزيز ثقافة الأمان في المرافق النووية والإشعاعية. ومن المألوف أن نجد عالمياً أن المرافق النووية والإشعاعية على وجه العموم التي لها ثقافة أمان قوية لها خصائص متشابهة. ومع ذلك، فإن المرفق الذي يرغب في تعزيز وتحسين هذه الخصائص يحتاج إلى تصميم برنامجه ليناسب الثقافة الفريدة للمرفق. وتكون الثقافة الوطنية أحد العوامل المؤثرة على ثقافة المرفق وعلى النجاح المحتمل أو الفشل المحتمل لبرامج التحسين.
وهناك شقين لتأثير الثقافة الوطنية على ثقافة الأمان لأي مرفق مرخص له:
1. الأفراد العاملون في المرفق النووي أو الإشعاعي هم الذين ينفذون دائما بعض سمات ثقافتهم الوطنية في سلوك عملهم (مثل تعاليم الدين وبعض القيم أو الأعراف الاجتماعية).
2. الثقافة الوطنية وتعد جزء لا يتجزأ من الهياكل المجتمعية حول الأمان النووي (مثل التشريعات والتعليم وأدوار مختلف أصحاب المصلحة) والتي قد تؤثر على أنشطة المرخص لهم إلى حد كبير.وتنمو ثقافة الأمن النووي والإشعاعي عبر عدة اعتبارات منها دعم تطوير الفهم والمعرفة الكافيين للأمان والمخاطر النووية والإشعاعية بالإضافة إلى متطلبات الممارسات النووية والإشعاعية، ودعم اليقظة التنظيمية (تركيز الذهن الكامل) للمخاطر الجديدة أو غيرها من الظروف غير المتوقعة التي تستند إما إلى الظواهر التقنية أو الاجتماعية. كما يعني تجنب التراخي والإفراط في الرضا عن النفس، والجهد المستمر للتحسين المستمر.وتؤثر ثقافة المرفق النووي أو الإشعاعي على ما كل ما يعتبره المرفق يستحق الاهتمام به، وكذلك ما يتم تجاهله. وهذا يجعل تقييمات ثقافة السلامة والأمان النووي والإشعاعي من خارج إدارة المرفق النووي أو الإشعاعي آلية تعلم استباقية مهمة في مستوى أمان هذه المرافق، فهي تمكن إدارة المرفق من إدراك أنماط التفكير المسلم بها وفهم أسباب بعض مشكلات السلوك للمرفق. ويعتبر الفهم الأفضل لثقافة السلامة والأمان النووي والإشعاعي في المرفق النووي والإشعاعي الخاصة به، متيحا لتوقع ردود الفعل على التغييرات ومبادرات التطوير. لذلك، يجب أن يعتمد برنامج تطوير ثقافة الأمان النووي دائمًا على فهم قوي للثقافة الحالية للمرفق. وقد أولت الهيئة هذا الموضوع اهتماما بالغا وخاصا لما له من أهمية في تحقيق أهدافها، متبعة في ذلك أفضل التجارب الدولية، حيث تضمنت الخطة الاستراتيجية الأولى التأسيسية للهيئة هدفاً رئيسياً يعنى ببناء وتعزيز ونشر ثقافة السلامة والأمان النووي للمهتمين من داخل وخارج الهيئة.
ومن خلال هذا الهدف عملت الهيئة على تنفيذ العديد من المبادرات الاستراتيجية وفقاً للتالي:
إن المنظمات التي تصمم وتصنع وتشغل وتشرف على التقنيات عالية الخطورة تخلق السلامة أثناء اتخاذ القرارات وتنفيذ الأنشطة اليومية. وبالمثل، تميل المنظمات إلى تطوير مجموعة متنوعة من الظواهر الاجتماعية والنفسية التي قد تجعلها أكثر عرضة للمخاطر. قد تبدأ المنظمات في الانجراف نحو استراتيجيات محفوفة بالمخاطر بسبب الانحرافات الصغيرة، التي كانت بمثابة إشارات تحذير، تدريجياً تصبح طبيعية، أو لأن الوحدات التنظيمية المختلفة تعمل على تحسين أهدافها المحلية وممارسات العمل دون مراعاة الأنشطة الكلية بشكل كامل.
يعد الفشل في مشاركة الدروس المستفادة، وتدفق المعلومات دون المستوى الأمثل، وسوء تفسير الظواهر التقنية، وقطع الزوايا عند تنفيذ المهام التشغيلية، كل ذلك نتائج شائعة في مختلف التحقيقات في الحوادث.
تبرز لدى هيئة الرقابة النووية والإشعاعية الحاجة إلى النظرة العامة وتحليل وتقييم مؤشرات أداء السلامة النووية والإشعاعية وخاصة مؤشرات ثقافة السلامة النووية والإشعاعية. وعادة ما تكون مؤشرات أداء السلامة النووية والإشعاعية الحالية متأخرة، أي أنه يتم قياس شيء قد حدث. ومن أجل أن تكون هذه المؤشرات قادرة على رصد آثار أعمال السلامة النووية والإشعاعية الاستباقية، وكذلك توقع نقاط الضعف بها، تعمل الهيئة على تحديد مؤشرات أداء رائدة. بحيث يجب أن تكون هذه المؤشرات قادرة على فهم الممارسات والعمليات التنظيمية بصورة تجعلها سبّاقة في التعرف على التغييرات قبل وقوعها في أداء السلامة النووية والإشعاعية للممارسات.